كلمة العميد
بسم الله الرحمن الرحيم
”قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” [سورة الزمر:٩].
الحمد لله رب العالمين الذي أنزل كتابه المبين هدى وبشرى للمؤمنين والصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين أبي الزهراء محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد: فقد وهب الله تعالى الإنسان عقلاً ، ميزهُ به عن سائر خلقه ، لذا كان لزاماً على الإنسان أن يوسع مدارك هذا العقل، ليمتلك القدرة التي تساعده في إعمار الأرض ، والتفكر في بديع خلق الله ونعمه.
ولذلك عني الإسلام بالعلم وطلبه وجعله جزءًا من الدين، ورفع من شأن العلم والعلماء، ولم يساوهم بغيرهم ممن لا يعلمون.
فلا غرو أن كان أول أمر أنزله الله تعالى في محكم كتابه هو " اقرأ " ، وكثيرة هي الأحاديث النبوية الشريفة التي حثَّتْ على العلم وذكّرتْ بفضله ورغّبتْ في طلبه بإخلاص وصدق لتستنهض همم طُلابه، من ذلك قول النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنة".
فالعلمُ هو المصباح الذي يُنيرُ دُورب الحياة ويُخرج الإنسان من حصون الجهل والظلام إلى مرابع النور ومشارق الضياء.
ولقد شرف الله عز اسمه العلم وأهلهُ، وجعل العلماء ورثة الأنبياء ومنارةً يُهتدى بهم، وأكرمهم بالسمو والرفعة، فللعلم قداسةٌ وتعظيم يحظى بهما كلّ من ظفر به .
وحاجة الإنسان للعلم ماسّةٌ فهي ضرورةٌ لعيش كريم، فضلاً على أنّ للعلم آثاراً بالغة الأهمية في حياة الفرد والمجتمع ، فهو ركيزة لا غنى عنها في تقدم الأمم والحضارات ، فما سادت أمةٌ على أخرى إلا بالعلم ، حيث يصقلُ العلمُ شخصية الفرد ويعززُ ثقته بنفسه ويُحرر عقله من القيود والأوهام ، ويرقى بقيمه وأخلاقه، ويمنحه الفطنة في مواجهة ما يعترضُ سُبل حياته ، ولما كان الفرد هو اللبنة الأساس في بناء المجتمعات فإن نهضة المجتمع وسيادته نابعةٌ من إعداد أفراده وإنارة عقولهم بالعلم والمعرفة.
ومن العلوم التي ينبغي لكل مسلم أن يكون له نصيبٌ من تحصيلها هي العلوم الإسلامية؛ لأنها تربط الإنسان بغاية وجوده في الدنيا، وبها تزكو النفوس وتستنير العقول، قال تعالى:” أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [سورة الأنعام:١٢٢].
ولذلك لا بدّ من تكثيف الجهود لإحياء هذه العلوم في حياة الأمة؛ في ظل ما يشهده العالم اليوم من انحراف فكري وقيمي وسلوكي في شتى مجالات الحياة، ليستقي الإنسان منهجه الحقيقي في الحياة من منابعه الأصيلة العذبة التي تحقق الغاية من وجوده، قال تعالى:” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ”[سورة الذاريات:٥٦]، ويعمر الأرض بحسب ما أراده الله تعالى الذي قال:” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ”[سورة هود:٦١].
ومن هذا المنطلق الكبير تأتي كلية العلوم الإسلامية ربوة علمٍ تجمع فيها طلاب تلك العلوم، ومنارةَ إشعاع تنير لهم السبيل في تحصيلها؛ ليتحصنوا بالمعرفة وينطلقوا إلى المجتمع بعقول نيرة وقلوب نقية فاعلين منتجين، يجعلون الثقلين - كتاب الله تعالى وعترة نبيه الطاهرين - نصب أعينهم، يتمسكون بهما لا يحيدون عنهما، حتى لا يضلوا أبدًا.
تضمّ الكلية التي أسست عام ٢٠٠٨م ثلاثة أقسام هي: قسم علوم القرآن، وقسم لغة القرآن، وقسم الفقه وأصوله، وتُخرّج تربويين مختصين بالتربية الإسلامية واللغة العربية، وفيها دراسات عليا على مستوى الماجستير والدكتوراه في قسم علوم القرآن، وعلى مستوى الماجستير في قسم لغة القرآن.
في الكلية أساتذةٌ أكْفاءٌ وطاقاتٌ علميةٌ كبيرةٌ بألقابٍ عاليةٍ في مختلف التخصصات التي تحتاجها مناهج الدراسة فيها، يتصفون بالسلوك القويم والخلق النبيل وعلو الكعب في ميادين العلم والمعرفة.
تسعى الكلية دائمًا إلى تطوير مهارات أساتذتها وطلبتها على مختلف الصُعُد العلمية والفكرية لخلق طاقات واعدة تترك أثرها الطيب في خدمة الفرد والمجتمع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.
أ.د. حسن عبيد المعموريّ
عمـيد كلية العلوم الاسلامية